ضبط النفس الفن الصعب

ضبط النفس الفن الصعب

  • ضبط النفس الفن الصعب

اخرى قبل 3 سنة

ضبط النفس الفن الصعب

بكر أبوبكر

في الكثير من المحادثات الشفوية أو الكتابية بين الناس وفي الإطار الاجتماعي أو داخل المؤسسة (المنظمة، الفصيل، النقابة، جماعة الأصدقاء، الأسرة...الخ) تكون الكلمات والمشاعر ميَسِرة ومسهّلة للتواصل، كالجداول الرقراقة وذلك في حالة كان الودّ والمحبة، أو التقارب وانفتاح الذهن وتقبل الآخرقائمًا، ما يمثل السمة الخاصة بالشخصية المنفتحة.

وعلى العكس من ذلك قد تكون الاتصالات والعلاقات بين الناس صعبة ومتوترة الى درجة تعيق التواصل بل وتقطعه، كالبراكين الثائرة أو الزلازل النفسية العنيفة، ومن أبرز عوامل قطع الاتصالات نجد الغضب والحنق والقلق والضغوط والتوترات التي قد يعاني منها الناس، وللصبر والتعامل مع الغضب والضغوط دورٌ كبير في تحسين الاتصالات والعلاقات داخل أي مؤسسة أو جماعة، أو بين الشخص وأقرانه، وأيضًا مع ذاته.

بل وفي إطار تعريفنا عملية "الاتصالات" بعناصرها الستة: كمرسل أو مشارك أول، ومستقبِل وقناة أو وسيط اتصال، ورسالة محددة، واستجابة أو إرجاع أثر، وتشويش خارجي أو داخلي في النفس، نعتبر أن من هذه التشويشات تلك المشاعر السلبية، وهي ما نطلق عليه التشويشات الداخلية.

من المهم التمرن والتدرب على إدارة الذات أو ضبط النفس، وتحقيق التوازن، وهو فن قائم بذاته، ويقصد به العمل على التخلص من الغضب أو ما نسميه بالتراث الاسلامي كظم الغيظ (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ-134 آل عمران)، أوتحقيق الصفح والعفو والمسامحة، مايؤدي بنا لتحقيق حالة الهدوء النفسي الميسرة حتمًا للتواصل الانساني من جهة، وللصفاء الروحي والنفسي.

في فكرنا الحضاري الإسلامي المستنير وعبر التفكر والتأمل في القرآن الكريم ونصوص الأديان نجد الكثير من الحث على تحقيق التوازن وضبط النفس وترك الغضب، ونجد سيل الشحنات الإيمانية تتسلل من الكتب الدينية الى ذات الفرد لتعمل على تشكيل مظلّة حامية وإطارًا نفسيًا قادرًا على درء هجوم النفس السلبية.

ولنا في تعاليم السيد المسيح عليه السلام الكثير حيث نجد في الإنجيل برسالة بطرس الثانية كمثال: (فِي ٱلصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي ٱلتَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي ٱلْمَوَدَّةِ ٱلْأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً).

ومن حياة المسيح عيسى أيضا ما هو معروف إذ إجتمع السيد المسيح بالجموع علي الجبل لكي يعلمهم دستور أخلاقي لهدوء وسلام النفس ولسعادتها أيضاً في الحياه فقال لهم : حينما يؤذيك أحدهم لا تقابل الشَر بمثله بل من لطمك علي خدك الأيمن (أي فعل الشَر بك) فحول له الأخر أيضاً (أي إظهر له الجانب الأخر وهو المحبه والتسامح)، ويفسر الرسول بولس قائلاً: حينما تفعل ذلك مع عدوك فإنك بذلك تجمَع جمر نار على رأسه ، وحينها سيُرَد لك عفوك وتسامحك.

في الدين الاسلامي الموسوم دومًا بالسمح فإننا نطلق على عالم الدين أو الشيخ قول (سماحة)، ونحيي الآخرين بالقول (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) في آلية تسامح ومحبة وسلام ورحمة عند كل لقاء، وليس وفق ما اشتهر عن المتطرفين الاسلامويين الذين جعلوا الدين فزّاعة مرعبة! وشيطانًا مخيفًا بأقوالهم وأفعالهم فشوهوا الاسلام كما لم يسبق له مثيل، وفي ظل تركيز إعلامي غربي على التطرف الإسلاموي دون غيره المنتشر في كل أرجاء العالم.

يقول د.شوقي علّام مفتي الديار المصرية (إن منهج الإسلام قائمٌ على الاعتدال والتوازن في كلِّ شيءٍ، وبالتالي فإنَّ اندِفاع النَّفس غضبًا أو إساءةً يمثِّل انحرافًا عن المنهج الإسلاميِّ القويم، الذي يأمر بالصَّبر وكظمِ الغيظ والتَّواضُع، ففي أكثر من آية في القرآن الكريم ورد التوجيه بهذه القِيَم، فقال الله تعالى في صفات المتقين: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 134]، وقال في قصَّة لقمان مع ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، وقال جلَّ شأنه في صفات من دعاهم عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].)

من وصايا النبي الاكرم الأساسية أن "لا تغضب" وكررها ثلاثًا.

ويقول الشاعر والمتصوف سعدي الشيرازي في تحقيق التوازن الصعب بين الغضب الشديد والتساهل او الطيبة الزائدة ما يحتاج لجهد إن: (الغضب الذي لا حدود له يسبب الرعب، والطيبة في غير مكانها أو أوانها تلغي الاحترام. لذا لا تكن قاسيا لدرجة تثير الاشمئزاز، ولا متساهلًا لدرجة تجعل الناس يتجرأون (أو يستغلونك)".

من استراتيجيات فن ضبط النفس وتجاوز الغضب وتحسين التواصل: قرارك الذاتي في فهم الذات، وفهم الآخر أولًا-ما يحتاج لتمرن دائم- وتجد الصمت وابتلاع الغضب، وتغيير الوضعية الجسدية وقوفا اوجلوسًا، وتغيير المكان، وتجد الاختلاء بالنفس والتأمل والتفكر، وتجد تقنية التنفس العميق والعد الداخلي قبل الكلام (من 1-10 مثلًا)، وتجد الدعاء، كما تجد الاستماع للموسيقى، وتجد اقتراحات العمل على إعادة تقييم الموقف ووضع النفس مكان الآخر، ولك أخذ جولة في الطبيعة وحوارالكائنات والاستماع لحفيف الاشجار، ولك أن تكرر من الكلمات المهدئة الطيبة، وإحسان الظن بالآخر، كما التمارين الجسدية وما لها من أثر مع الطعام الصحي والماء، ويضيف المختصون تلميحات هامة أخرى مثل إلهاء النفس بشيء آخرلكن مفيد أو ممتع، او باللجوء للضحك بعيدًا عن الموقف، كما يشجعون على القراءة والكتابة والعمل وغير ذلك مما يسهم في تحقيق التوازن وضبط النفس.

داخل التنظيم السياسي أو المجتمعي أو الإداري عامة تعدّ العلاقات الانسانية الثنائية أوالجماعية شيئا أساسيا، فما دام هناك كتلة بشرية تتفاعل فلدينا تواصل وعلاقات واتصالات حتمية فإن لم نستطع فهمها، وإدارتها وتحسينها فنحن نسقط حين نفشل بعملية تنظيم ذواتنا، وتنظيم تواصلنا مع من هم الأقران أوضمن مسؤوليتنا، أو مع من هم مسؤولين عنّا.

يمكننا القول أن الفِرَق الناجحة (أواللجان أو المجموعات، أو الاطر...) هي تلك القادرة على تحقيق الأهداف، والتفكير والتخطيط والتنفيذ والتعاون بكفاءة، وقادرة بالضرورة على بناء اتصالات وعلاقات فعالة فيما بينها، من جهة وإدارة حياتها الداخلية بعيدًا عن الغضب والانفعالات السلبية والتوترات المشحونة دومًا.

 

 

 

 

التعليقات على خبر: ضبط النفس الفن الصعب

حمل التطبيق الأن